في دراسة حديثة نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، كشف مجموعة من الباحثين عن سلسلة من العلاقات المركبة بين الكائنات المجهرية في المحيط المتجمد الجنوبي وكيفية تأثيرها على الشبكات الغذائية البحرية في السواحل الجنوبية للمحيط.
وقد ضم الفريق باحثين من معهد كريج فنتر، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وجامعة جنوب كاليفورنيا، ومعهد فيرجينيا للعلوم البحرية، بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وسافر بعض الباحثين إلى سواحل المحيط المتجمد الجنوبي وقاموا بجمع عينات من المياه المتجمدة التي تتعرض لأشعة الشمس وقاموا بإجراء التجارب في مركز أبحاث ماك مردو في القارة القطبية الجنوبية.
وقام الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ مشارك في المعلوماتية الحيوية وعلم الجينوم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالتحاليل الحسابية والإحصائية لهذه الدراسة من القاهرة، بالتعاون وبدعم من فريق البنية التحتية للتكنولوجيا بالجامعة.
ويعد المحيط الجنوبي حول القارة القطبية الجنوبية هو موطن لمجتمعات هائلة من العوالق النباتية.. وقد اعتبر العلماء منذ فترة طويلة أن نمو هذه الكائنات الحية الدقيقة يعتمد على توافر الحديد والضوء. الآن، وبفضل الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم فإن الصورة تبدو أكثر تعقيدا، على غرار الدراما المسرحية ولكن يقوم بدور البطولة الميكروبات البحرية.
وتعد الكائنات المجهرية، العوالق النباتية (الطحالب وحيد الخلية) والبكتيريا التي تعيش معلقة في مياه البحر في قاعدة الشبكة الغذائية البحرية، هي أساس نجاح المخلوقات المميزة للقارة القطبية الجنوبية مثل طيور البطريق والفقمة (أسود البحر) وأرك (الحيتان القاتلة).
وبالرغم من أن الباحثين وجدوا أن المياه تعج بنوع معين من العوالق النباتية يسمى الدياتومات، أظهرت الدياتومات مظاهر خلوية مميزة لسوء التغذية. وخلافاً لمعظم المحيطات التي لا تحتوي على كميات كافية من النيتروجين أو الفوسفور لنمو مستدام للعوالق النباتية، فإن الدياتومات في المياه النائية في المحيط الجنوبي يتضورون جوعاً من نقص الحديد ونقص فيتامين B12، تماماً مثل الفيتامينات و المكملات المعدنية، والتي يتناولها الانسان في وجبة الإفطار.
الدكتورة إيرين برتراند، الباحث الرئيسي للدراسة وباحث سابق في JCVI وSIO وهي الآن أستاذ مساعد في جامعة دالهوزي في هاليفاكس بكندا، قالت “تماماً مثل البشر، تحتاج العوالق النباتية للفيتامينات، بما في ذلك فيتامين B12 من أجل البقاء على قيد الحياة. لقد أظهرنا في البحث أن العوالق النباتية في المحيط الجنوبي تكتسب هذا المورد الثمين من مجموعة معينة من البكتيريا ويبدو أن هذه البكتيريا في المقابل تعتمد بشكل مباشر على العوالق النباتية لتزويدها بالغذاء والطاقة”.
وطبقا لما تقوله برتراند يزداد الوضع تعقيدا عندما تظهر مجموعة أخرى من البكتيريا تعتمد على الدياتومات للغذاء والطاقة، وتتنافس مع الدياتومات على الفيتامين الثمين. ثم تتنافس المجموعات الثلاث من الميكروبات على الحديد النادر في المحيط الجنوبي والنتيجة هي صورة جديدة من نظام متوازن غير مستقر مليء بالإثارة الميكروبية.
فيما قال الدكتور أندرو ألين، وهو أستاذ مشارك في SIO وJCVI: “من خلال مجموعة من التجارب الميدانية وتسلسل الجينوم، حصلنا على صورة جديدة من التفاعلات الميكروبية التي يقوم عليها نظام بيئي مثير للغاية”.
وقال الدكتور مصطفى، الذي قام بالتحاليل الحسابية لتوصيف أنماط التعبير الجيني في تجمعات البكتيريا والعوالق النباتية: “أجرينا تحاليل حسابية وإحصائية واسعة النطاق لتحديد هويات العوالق النباتية ومجموعات البكتيريا في العينات التي تم جمعها من المحيط المتجمد الجنوبي ولمعرفة أي المجموعات الميكروبية هي المسؤولة عن التمثيل الغذائي والتحولات الكيميائية الحيوية”.
وأضاف “وقد تم الاستفادة من التكامل بين هذه النتائج في تشخيص أوضاع التعايش والتفاعل بين أعضاء المجتمع الميكروبي في المحيط الجنوبي”، متابعا “وما يسرَ التحليلات الحسابية والإحصائية هي البنية التحتية للحاسوبات عالية الإنتاجية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة”.
ومع هذا الفهم الجديد لطبيعة هذه التفاعلات والتوازن الدقيق من السلوكيات التنافسية والتعاونية التي توجد في هذا النظام البيئي الرئيسي، يمكن للباحثين التنبؤ بكيفية تغيُّر هذه العلاقات عندما تبدأ درجات الحرارة في الارتفاع في المحيط الجنوبي في المستقبل.