الأحد, ديسمبر 22, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروالظاهرة الفنزويلية.. دروس وعبر

الظاهرة الفنزويلية.. دروس وعبر

بقلم: د.علي محمد فخرو

ما يحدث في فنزويلا شأن يخصًّ بالطبع الشعب الفنزولي، الذي يواجه شتًّى المؤامرات الداخلية والخارجية، القريبة والبعيدة.

لكن مايهمنا، نحن العرب، هي الظاهرة الفنزويلية، لنتعلًّم منها ونعي عِّبرها. دعنا نركًّز على بعض من مكوًّنات وتداخلات تلك الظاهرة التي نعتقد أن بعض تفاصيلها تشير إلى الًّدروس والعبر الواجب استيعابها.

أولاً:   ملكت فنزويلا عبر قرن كامل مخزوناً بترولياً هائلاً، يماثل مخزون المملكة العربية السعودية، وهناك من يقول بأنه يزيد عن ذلك. بهذه الثروة كان بامكان فنزويلا أن تبني بنية تحتية حديثة كفؤة، واقتصاداً إنتاجياً غير ريعي، بما في ذلك إنتاجاً زراعياً وافراً من أرض حباها الله بالمياه والتربة الخصبة، وتقدًم لمجمل شعبها خدمات اجتماعية معقولة لمواجهة الفقر والتهميش والجهل.

لكن النخبة السياسية الفنزويلية تعثًّرت، بأشكال مختلفة ولأسباب متنوعة، في بناء نظام سياسي ديموقراطي مستقر يجمع بين الروح الثورية والفكر اليساري التقدمي من جهة وبين متطلبات الواقع المعقًّد الصًّعب في داخل فنزويلا وحول محيطها المليئ بالمؤامرات الإستعمارية والرأسمالية الجشعة من جهة أخرى.

الدرس الذي يجب أن تتعلمه دول الغنى البترولي والغازي الفاحش في بلاد العرب، هو أن الثروة الريعية التي لا يصاحبها فكر سياسي ديموقراطي عادل، ومؤسسات حكم تمثًّل جميع شرائح المجتمع، وتوزيع للثروة يأخذ بعين الإعتبار مطالب ومصالح مكوًّنات ذلك المجتمع، واستعمال جزء كبير من تلك الثروة لترسيخ اقتصاد إنتاجي ومتطلبات تنمية إنسانية مستدامة.. فان تلك الثروة ستكون مطمعاً لكل من هبً ودبُّ من قوى استعماريه كالولات المتحدة ومن مؤسسات رأسمالية أنانية تعيش على أستباحة ثروات الآخرين. وستجد في الداخل من يعين الخارج على تلك الإستباحة.

تلك الصورة المأساوية، من عدم الإستعداد السياسي والاقتصادي المسبق، هي التي تعيشها فنزويلا الآن، وهي نفس الصورة التي تنتظر دول البترول والغاز العربية إن لم تستعد سياسياً واقتصادياً وتخرج مجتمعاتها من غواية الحياة الريعية التي سيمتحنها الزمن، ثمً يعقبها العقاب المؤلم.

ثانيا:   ليس غريباً على مؤسسة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية أن تمارس كولونياليه ابتزازيه سافرة في فنزولا، وذلك من خلال تجييش عملائها في الداخل والخارج، واستنفار مخابراتها والدول السائرة في فلكها، والتهديد باستعمال القوة ضدًّ حكم شرعي منتخب، دون مراعاة للأعراف والقوانين الدولية. فتاريخ أمريكا هو قصًّة طويلة من تدخُّلات واعتداءات على بلدان ومؤسات وتصفية لأشخاص اعتبرتهم أميركا معادين لها.

إنها قصة تحتاج لمجلًّدات لتوضيح ملابساتها وسرد مآسيها العمرانية والبشرية، وسنكتفي بذكر بعض من عناوين فصولها.

تاريخ القصة الأميركية بدأ بالتخلًّص من ثمانين في المائة من سكان القارة الشمالية الأصليين، الهنود الحمر، سواء بالذًبح أو بنشر الامراض، مروراً باستعباد أربعة ملايين من الأفارقة وتسخيرهم لخدمة كبار ملاًكي المزارع البيض، مروراً بموجات غزو من أقصى الشرق الأميركي إلى أقصى غربه للإستيلاء على ثروات الأرض وساكنيها، وإقتطاعاً لأرض بنما من كولومبيا حتى تبقى قناة بنما تحت سيطرة أميركا ومداخيلها نهباً لشركاتها، واستيلاءاً على الفلبين كمستعمرة أميركية مستغلًه.

وما إن حلً القرن العشرين حتى زاد جنون الاستحواذ بشكل مريع: إستعمال سلاح القنابل الذرية في قتل ربع مليون ياباني وتشويه مئات الألوف، اعترافاً بالكيان الصهيوني في فلسطين العربية بعد بضع دقائق من قيامه ودعمه بالمال والسلاح والنفوذ حتى يومنا هذا، تدبيرإنقلاب على رئيس وزراء إيران، محمد مصدًق، عقاباً له على وقوفه في وجه شركات البترول الجشعه، تخطيط ودعم إنقلابات تآمريه على حكومات شرعية في تشيلي ونياكاراجوا واندونيسيا، خوض وقيادة حروب مدمرة للعمران والبشر في كوريا وفيتنام وكمبوديا، تآمر على حركة قومية عربية تقدمية لمنع قيام أية وحدة عربية من أي نوع كان، تلفيق كذبة كبرى حقيرة من أجل استباحة العراق ونهب ثرواته، تدخًل وتآمر وتلاعب باشكال لا تعدُ ولاتحصى في المشهد السوري، وأخيراُ ابتزاز تهديدي لسرقة مايمكن سرقته من أموال دول البترول الخليجية.

كان لابدً من ذكر كل ذلك، وهو قليل من كثير، لتتضح الصورة تماماً ويقتنع الجميع بأن ما تفعله أميركا في فنزويلا هو تتمة لسلسة طويلة من تدخلات واستحواذات.

هل ستعي النخًّب السياسية العربية، في الحكم وفي المجتمع، بأن الأيادي التي تمدًّها للولايات المتحدة الأميركية، ومشاعر الصداقة والثقة التي تملأ الدنيا بالإعلان عنها، وتخطيط المستقبل العربي بمعيًّتها وحمايتها ووعودها قابلة للإنقلاب عليها من قبل نظام الحكم في واشنطن؟

هل ذاك التاريخ يوحي بالإطمئنان تجاه أية وعود يقدًّمها أرتال من السياسيين الأميركيين وهم يجوبون أرض بلاد العرب من أقصى مغربها إلى أقصى مشرقها؟ نحن نشير إلى ذلك، خصوصاً مع وجود قيادة حالية نرجسية غير متوازنة وجاهلة بكل أصول العمل السياسي.

إن الإنقسام المجتمعي المؤسف في فنزويلا هو المدخل الذي تدخل من خلاله أميركا لتقضي على طموحات وآمال شعبها ولتعيد ذلك البلد إلى حظيرة الإستباحة والإستغلال.

فهل سيتعلم القادة العرب الدرس ويعرفوا بأن إنقساماتهم العبثية الكثيرة هي مدخل دائم للتدخلات الغربية وغير الغربية في شؤونهم؟

درسان واضحان تقدًّمهما الأحداث في فنزويلا، وهما جديران بالتأمل والإستفادة من عبرهما.

اقرأ المزيد