بقلم: د.علي محمد فخرو
لا توجد مجتمعات يكثر ويتزايد فيها اللًّغط حول مكانة وحقوق ومسئوليات المرأة مثلما هو الحال في بلاد العرب. ومع أن ظلم المرأة وإخضاعها متجذًّر في تاريخ المجتمعات البشرية كلًّها إلاًّ أن الصًّراعات والإختلافات والتطاحن حول هذا الموضوع في الأرض العربية هو الأشدًّ والاكثر فجيعة.
من هنا الأهمية القصوى للتفتيش عن مداخل رئيسية كبرى للتعامل مع هذا الموضوع. في اعتقادي أن هناك ثلاث مداخل تستحق الإبراز.
أولاُ، هناك التأثير الكبير لمتغيُّرات الواقع . فالتحاق الملايين من الفتيات العربيات بكل مستويات التعليم المدرسي وتفوُّقهنًّ الدراسي بشكل مبهر فتح الأبواب مشرعة أمام التحاقهنًّ بالتعليم الجامعي. وهذا بدوره قاد إلى اقتحام جميع التخصًّصات المتوافرة في التعليم العالي، ومن ثمًّ قاد إلى تخرًّج الملايين من الأخصًّائيات في كل الحقول المعرفية والإنخراط في كل أنواع العمل والوظائف في القطاعين العام والخاص.
خِّلقُ ذلك الواقع الجديد كان ثمرة جهد واجتهاد وطموحات الفتاة العربية نفسها، ولا يعود الفضل فيه لأحد غيرها. ذاك الجهد الذاتي لتغيير واقع تاريخي متخلًّف، وبالتالي تغيير نظرات وسلوكيات ومواقف منحازة ضدُّ المرأة، هو الذي فرض نفسه على الحكومات والبرلمانات والقوى المدنية العربية لقبول تواجد المرأة العربية، وباستحقاق ونديًّة، في ساحات الحكم والدبلوماسية والقضاء والمهن الرفيعة والمؤسسات التشريعية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وغيرها الكثير الذي لا يعدُّ ولايحصى.
هذا التغيُّر في واقع المرأة المجتمعي قاد إلى تغيُّر جذري في واقعها الأسري، بعد أن أصبحت مساهماً فعًّالاً في تأمين دخل الأسرة وحاجاتها المعيشية والإجتماعية وفي ادارة شؤون الأسرة.
وبالتالي، فما على المرأة العربية إلاً أن تستمر، بجهدها المميًّز، في إحداث تغييرات كبرى في الواقع ، واقعها وواقع الآخرين، حتى توصل الظلم التاريخي إلى نهايته وتصبح مواطنة متساوية مع أخيها الرجل في الحقوق والمسؤوليات والفرص الحياتية والمكانة الإنسانية.
ثانياً، لكن فرض الواقع نفسه وقبوله سيحتاج إلى دعمه بمدخلين رئيسيين. الأول هو المراجعة الموضوعية العادلة العقلانية للصورة النمطيًة المشؤهة للمرأة في حقلي الفقه الإسلامي وعلوم الحديث.
أما الفقه فهو حصيلة اجتهادات بشرية في فهم معاني ومقاصد النصوص الدينية، كما جاءت في القرءان الكريم وما اعتبر السنًّه النبوية المؤكدة، والإستنباط منها حسب مقدار فهم الفقهاء وعلوم عصرهم وواقع مجتمعاتهم.
ذاك التراث الفقهي الكبير فيه الكثير مما يحتاج لمراجعة بالنسبة لمواضيع كثيرة ، وعلى رأسها موضوع مكانة وحقوق ومسؤوليات المرأة.
والثاني هوموضوع علم الأحاديث الذي تعرُّض للكثير من الأكاذيب المدسوسة والأحاديات المشكوك في صحة بعضها، كما جمع بمنهجية فيها نقاط ضعف أبرزها الكثير من كتاب وعلماء الدين الإسلامي.
ولقد أظهر هؤلاء أن الكثير من الأحاديث المتعلًّقة بالمرأة، والمنسوبة للرسول الكريم، متناقضة أشدًّ التناقض مع نصوص وروح وعدالة ومقاصد النصوص القرءانية من جهة ومع طهارة خلق وعفًّة لسان وإنسانية النبي صلًّى الله عليه وسلًّم من جهة أخرى.
المراجعة لهذين الحقلين ضرورية للغاية من أجل تغيير الثقافة الدينية للرجل العربي وتحريرها من التزمًّت والتخلف بشأن المرأة، وكذلك من أجل تعديل سلوكياته وتعبيراته ومواقفه بما يجعله يقبل الوضع الجديد للمرأة.
هذه المراجعة ستحتاج إلى جهد كبير من قبل المرأة نفسها لإقناع مختلف الجهات المعنيًّة للقيام بها في القريب العاجل. ومن أجل جعل صوت المرأة مسموعاً في هذا المجال ستحتاج المرأة تبنًّي المدخل الثالث.
ثالثاً، المدخل الثالث هو إنخراط المرأة العربية في عضوية ونشاطات كل المؤسسات المدنية العربية، وعلى الأخص الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المهنية والحراكات الجماهيرية.
في كثير من الأحيان تركزت جهود المرأة من خلال إنخراطها في الجمعيات النسائية والتطوًّعية الخيرية. مع كل الإحترام لذلك الجهد إلاً أنه لن يكفي. هناك حاجة لأن تنخرط الملايين من النساء العربيات، جنباً إلى جنب، مع أخيها الرجل في كل النشاطات المجتمعية المدنية. ولن يكفي انخراطها المبهر في الحراكات الجماهيرية والثورية لإسقاط الإستبداد وإيقاف الفساد، كما مارسته عبر السنين الأخيرة ، وكما نشاهده في أيامنا الحالية في السودان والجزائر.
ففي الغالب ، ما أن تصل تلك الحراكات إلى نهايات زخمها حتى تعود المرأة إلى بيتها وحياتها الخاصة. المطلوب هو أن تنخرط بعد ذلك في المؤسسات وتبقى فيها كمحاربة ومناضلة ، بل وكقائدة كفؤة مضحيًّة، لتجعل من حركة تمكينها وصعودها نتيجة مشاركة فعًّاله من قبلها، وليس نتيجة تكرُّم من هذه الجهة أو تلك.
تلك المداخل الثلاث، فرض واقع جديد ومساهمة فعًّالة في مراجعة الثقافة الدينية لتنقيحها من الأخطاء والتزمًّت والأكاذيب المدسوسة وإنخراطها التام كعضوة فاعلة في مؤسسات المجتمع المدني بكل أنواعها، ستقود إلى تغييرات كبرى في حياة المرأة العربية التي عانت ولا زالت تعاني ممًّن عاشوا ويعيشون بانتهازية على حساب كرامتها وآلامها ودموعها.