بقلم: علي غدير
نادراً ما تنعُمُ دول الشرق الأوسط بإدارات ديمقراطية ناجحة، فقد دأبت شعوبنا على أن تتولاها قيادات دكتاتورية شمولية، تحكمها بيد من حديد؛ فتسحق براعم أحلامها، وتعسكر روح المدنية فيها؛ حتى تتهشم آمال الأجيال تباعاً.
ومن الشخصيات النبيلة التي انتشلت شعوبها من فك الضياع، لمع في تسعينيات القرن الماضي نجم الرئيس اللبناني الأسبق (رفيق الحريري)، الرجل العصامي الذي قطع دراسته الجامعية في العام 1965 بسبب ارتفاع النفقات المالية وعدم قدرته على سدادها، وهاجر للعمل في (السعودية)، لينتهي به المطاف في مطلع الثمانينات؛ واحداً من أغنى مائة رجل في العالم! ولقناعة العاهل السعودي – الملك (فهد بن عبد العزيز) آنذاك – بقدرات الحريري؛ كلفه كمبعوث شخصي له في (لبنان)، ليلعب دوراً هاماً في صياغة (اتفاق الطائف) الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان؛ فانتهى به المطاف بعد سنوات؛ رئيساً لوزراء لبنان.
واستطاع أن يستثمر خبراتِهِ وقدراتِهِ الفكرية والمادية لإعادة إعمار البلاد، وإنقاذ الاقتصاد الوطني المتدهور، حيث خفَّض التضخم خلال فترة رئاسته الأولى إلى 29%، بعد أن كانت 131% بسبب الحرب. ولولا أن نالت منه يد الغدر والخيانة في فترة رئاسته الثانية؛ لاستمرت النهضة اللبنانية حتى يومنا هذا.
تجود الأقدار اليوم مرة أخرى، لتبرز شخصية فريدة جديدة في المنطقة، وتطبع آثار النهضة التقدمية بكل ثقة ووضوح، وترسم معالم الازدهار على وجه الحياة، وتبذر بذور المستقبل الواعد في قلوب الأجيال، من خلال (نيجيرفان بارزاني) رئيس إقليم كوردستان، الذي بدأ مشواره الحكومي في العام 1996، حين عُيِّن نائباً لرئيس الوزراء في حكومة إقليم كردستان، المتشكلة بعد الانتخابات العامة التي جرت في الإقليم عام 1992. وفي العام 1999 تم تكليف نيجيرفان رئيساً للوزراء، وشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس (الحزب الديمقراطي الكردستاني) الحاكم.
بدأ نيجيرفان بارزاني مهامه كرئيس لوزراء حكومة إقليم كردستان حين تولى رئاسة التشكيلتين الخامسة (2006 – 2009) والسابعة (2012 – 2014) وفي العام 2016 تم ترشيحه بالإجماع لترؤس الحكومة بتشكيلتها الثامنة؛ حتى قرر الحزب الحاكم يوم الاثنين 3 كانون الأول 2018، ترشيحه لمنصب رئاسة إقليم كردستان.
الإصلاحات التي أنجزها نيجيرفان كثيرة، وتعتبر منجزاته هائلة إذا ما وضعنا في نظر الاعتبار المرحلتين التاريخية والجغرافية. فإقليم كوردستان جزء من العراق، استقل استقلالاً سياسياً وإدارياً وفنياً في العام 1991، لكنه ظل تحت سطوة الحكومة العراقية من الناحية الاقتصادية، إذ عانى الشعب الكوردستاني من الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق عموماً بضمنه الإقليم، كما عانى الإقليم من الحصار الذي فرضته الحكومة العراقية عليه في الوقت ذاته، باعتباره نظام مستقل عنها. الأمر الذي ضاعف المأساة على إدارة نيجيرفان، وبالتالي تضاعفت المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه شعبه ووطنه.
كثيرة هي إنجازت حكومات نيجيرفان، ففي قطّاع التعليم نجد أن نسبة الأمية سجلت في بداية التسعينيات 40%، بينما أصبحت 20% في العام 2018، وبالمقارنة مع الحال في العراق يعتبر هذا الإنجاز عظيماً، بحكم تدهور مسيرة التعليم في العراق خلال الحقبة ذاتها وارتفاع نسبة الأمية ارتفاعاً مضطرداً حتى يومنا هذا، فبحسب تقارير الـ(يونسكو) وصلت نسبة الأمية حالياً إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق.
فرص العمل نالت حيزاً واسعاً من اهتمام نيجيرفان بارزاني، فبعد أن كانت نسبة العاطلين عن العمل في التسعينيات 60%، وصلت اليوم 9% على ضوء آخر الإحصائيات، وهي نسبة لا تقارن على الإطلاق مع ما يعانيه المواطنون في العراق من ضياع فرص العمل، وضبابية المستقبل.
أما في الجانب الصحي، ففي العام 1991 كان الإقليم يحتوي على (26) مركزاً صحياً ما بين مستشفى ومستوصف وعيادة شعبية، وقد بلغ المجموع اليوم (967) مركزاً صحياً حكومياً و(67) مستشفى خاصاً.
ونهض التعليم العالي هو الآخر في العهد النيجيرفاني؛ فمن جامعة واحدة وثلاثة معاهد في مطلع التسعينيات، إلى (15) جامعة حكومية و(15) جامعة أهلية و(24) معهداً.
يضع نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان اليوم في أولويات منهجه الحكومي، تحسين العلاقات مع دولتي الجوار (تركيا) و(إيران) ويصب اهتمامه البالغ للاقتراب من المحيط العربي، الذي يعوّل عليه كثيراً في بناء العلاقات الخارجية.
كما ينصب ثالوثاً وطنياً نصب عينيه، إذ يسعى إلى (دمج قوات البيشمركة)؛ لجعلها تحت إدارة موحدة، ويجتهد لوضع آلية لكتابة (دستور إقليم كوردستان)، ويصب اهتمامه بتوطيد (التعايش السلمي) ما بين مكونات الإقليم.
هذه النقاط الثلاث، هي جوهر مشروعه النهضوي التقدمي الذي سيرتقي بالإقليم إلى مصاف الدول المتقدمة.